الباحث عن الحقيقة مراقب عام
المساهمات : 315 تاريخ التسجيل : 03/05/2008
| موضوع: دموع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الإثنين مايو 19, 2008 4:27 am | |
| بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
::
البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله بها على عباده
قال تعالى
{ وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 )
فبه تحصل المواساة للمحزون ، والتسلية
للمصاب والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها
ويمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين
كانت تمرّ به المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها
مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها
فؤاده الطاهر
::
ودموع النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن
سببها الحزن والألم فحسب ، ولكن لها دوافع
أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق
والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية
من الله سبحانه وتعالى
::
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم -
شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله
عندما كان يقف بين يديه يناجيه ويبكي ، ويصف أحد
الصحابة ذلك المشهد فيقول
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره
أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء – وهو الصوت الذي
يصدره الوعاء عند غليانه - " رواه النسائي
::
وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر
فتقول
" قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ليلةً
من الليالي فقال : ( يا عائشة ذريني أتعبد لربي )
فتطهّر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره
ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ، ثم بكى فلم يزل يبكي
حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة
فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله
لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
فقال له
( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) " رواه ابن حبّان
::
وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع
القرآن ، روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فقال
" قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -
( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك
وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم )
فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية
{ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }
( النساء : 41 )
فقال : ( حسبك الآن )
فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان " ، رواه البخاري
::
كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتباراً
بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب
ضي الله عنه قال
" كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
في جنازة ، فجلس على شفير القبر – أي طرفه -
فبكى حتى بلّ الثرى ، ثم قال
( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا ) رواه ابن ماجة
وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة
لوقوفه على أهوال القبور وشدّتها
ولذلك قال في موضعٍ آخر
( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه
::
وبكى النبي – صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته
وخوفاً عليها من عذاب الله
كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه
يوم قرأ قول الله عز وجل
{ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
( المائدة : 118 )
ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى
::
وفي غزوة بدر دمعت عينه - صلى الله عليه وسلم – خوفاً
من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية المؤمنين وهزيمتهم على
يد أعدائهم ، كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قوله
" ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد
::
وفي ذات المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم -
يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب قبوله الفداء من الأسرى
قال تعالى
{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }
( الأنفال : 67 )
حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كثرة بكائه
::
ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق
قريبٍ أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة
رضي الله عنها ، وعمّه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه
وولده إبراهيم عليه السلام ، أوفراق غيرهم من أصحابه
فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه
::
فعندما قُبض إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم –
بكى وقال
( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا
ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه
::
ولما أراد النبي – صلى الله عليه وسلم - زيارة قبر أمه
بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله
ثم قال : ( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم
::
ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبياً لها يوشك
أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر
أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب
وأثارت التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها
النبي – صلى الله عليه وسلم - الصبي يلفظ أنفاسه
الأخيرة ، وكان جوابه عن سرّ بكائه
( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )
رواه مسلم
::
ويذكر أنس رضي الله عنه نعي النبي - صلى الله عليه وسلم -
لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة
حيث قال عليه الصلاة والسلام
( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب
ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى
أخذ الراية سيف من سيوف الله ) رواه البخاري
::
ومن تلك المواقف النبوية نفهم أن البكاء ليس بالضرورة
أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً على
الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس
ويقظة القلب وقوّة العاطفة ، بشرط أن يكون هذا البكاء
منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوبٍ بالنياحة
أو قول ما لا يرضاه الله تعالى
::
جعلنا الله و إياكم ممن يبكون من خشية الله
| |
|