بارك الله فيك على هذا النقل الاكثر من رائع ..وانا لا اخالفك في كون الاناشيد تعتبر من المحاذير شرط ان تزود ت عن قدر الحاجة فلا نكون متساهلين في سماعه على حساب ذكر الله وسماع القران ولا نكون ممن جعل سماعها كأعظم الذنوب وهي تعتبر من المسائل التى تأخذ فيها المد والجزر ....ولا اخفيك ان المنشدين في الازمنة الاخيره انهم تساهلوا فيها ...ولكن من جانب اخر هناك منشدون متمسكون بالظوابط الشرعيه فيها ...
وقد جاء في صحيح مسلم و ابن ماجة و أحمد عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ » . قَالَ شُعْبَةُ : أَوْ قَالَ : « اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَ الْمُهَاجِرَهْ » .
و ما رواه الشيخان عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَ هُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ، وَ كَانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ ، وَ هُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ :
اللَّهُمَّ لَوْ لا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَ لا تَصَدَّقْنَا وَ لا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتْ ا لاقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
إِنَّ ا لاعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ ) .
و نحو ه ما رواه البخاريّ أيضاً عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تُسمعنا من هنيهاتك ؟ قال : و كان عامر رجلاً شاعراً ، فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
و لا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
و ثبت الأقدام إن لاقينا
و ألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
و بالصياح عوِّلوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق ؟ ) ، قالوا : عامر بن الأكوع ، فقال عليه الصلاة و السلام : ( يرحمه الله ) .
و في سُُُنَن النسائي رحمه الله أنّ سلمةَ بن الأكوع ارتجز بأبيات أخيه هذه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، فثدّقه رسول الله عندما قال :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
و لا تصدقنا ولا صلينا
و روى مُسلِم حديث إياس بن سلمة ابن الأكوع ، و فيه رَجزه :
وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
و رَجز عمِّه عامر بن الأكوع المتقدّم و قولَه أيضاً في مبارزة مَرحَب ملك يهود :
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
حتّى إذا رَجَعَ سيفُ عامر رضي الله عنه عليه فقتله ، برزَ عليٌّ لِمَرحب فضَرَبَ رأسه ، فقتله و هو يقول :
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
و لم يُنكر رسول الله صلى الله عليه و سلّم شيئاً من ذلك ، فكان بمثابة إقراره ، بل يؤخذ منه اسْتِحْبَاب الرَّجَز فِي الْحَرْب ، كما قرّره النووي في شرح صحيح مسلم .
و قال الحافظ في ( الفتح ) بعد أن ذكر أقوال العلماء في الغناء عند شرح حديث البراء المتقدّم : ( نَقَل ابنُ طاهر في " كتاب السماع " الجوازَ عن كثيرٍ من الصحابة , لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النصب ( و هو الحداء ) المشار إليه أولاً .
قال ابن عبد البر : الغناء الممنوع ما فيه تمطيط و إفساد لوزن الشِعر طلباً للطرب وخروجاً من مذاهب العرب . و إنما وَرَدت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم .
و قال الماوردي : هو الذي لم يزل أهل الحجاز يُرَخِّصُون فيه من غير نكير إلا في حالتين : أن يُكثِرَ منه جداً ، و أن يصحبه ما يمنعه منه .
و احتج من أباحه بأن فيه ترويحاً للنفس , فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع ، أو على المعصية فهو عاص , و إلا فهو مثل التنزه في البستان و التفرج على المارة .
و أطنب الغزالي في الاستدلال , و مُحصَّله أن الحِداء بالرَجَز و الشعر لم يزل يُفعل في الحضرة النبوية , و ربَّما التمس ذلك , و ليس هو إلا أشعار توزن بأصوات طيبة و ألحان موزونة , و كذلك الغناء أشعار موزونة تؤدى بأصوات مستلذة و ألحان موزونة ) .
و الخلاصة أنّ الأناشيد منها ما هو مشروع و منها ما هو محظور ، فما خالطه المنكر حُرّم لأجله ، و ما سَلِم من المنكر بكافّة صُوَره ، و صَفَت نيّة صاحبه ، فلا بأس فيه .
وأختم بهذا الكلام كما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في مواضع، منها ما ذكرنا في الاستقامة الغالب في مثل هذه الأمور أن الحق مع من يفصل، وليس مع من يحرم مطلقاً، ولا من يثبت مطلقاً، بل لابد من فصل الحرام من الحلال في هذه الأمور وستجد الخير -إن شاء الله- أما أن يحرم شيئاً من أساسه وغيره يخالفه من أساسه فلا بد أن ذلك الغير له نظر، فما دام هو داخل في دائرة الاجتهاد فليقدرها قدرها